التفاصيل

القيادة ومهنة إدارة شؤون الدولة

وصال العزاوي

يفترض بالديمقراطية الدستورية ان تستند الى حكم القانون بدلا من حكم الرجال  ولان قانونها الاساسي مدرج في وثيقة مكتوبة فأن الفرص المتاحة بالنسبة لحتى اعظم رجال الدولة لاحداث تغيير جوهري محدودة بشكل حاد .. فالديمقراطية الدستورية تعتمد على مؤسسات قوية وليس على افراد  وذلك من اجل توجيهها وكبح تجاوزاتها على السواء عبر الية من الضوابط والتوازنات المتبادلة .

هل نحتاج الى القيادة ؟ الجواب عن هذا السؤال يجب ان يكون بنعم .فحقيقة كون القيادة لديها جانبها المظلم ليست تماما حجة فعالة ضدها ومخاطر الديماغوجية (فن المجاملة السياسية) والفساد والطموح الاستبدادي لايمكن تفاديها في اي نظام سياسي اذا ما كان للقيادة ان تعطي مجالا معقولا .. وكما قال ارسطو : جميع الاشياء المفيدة يمكن اساءة استخدامها بأستثناء الفضيلة  والقيادة شيء مفيد وهي تستحق تحمل المخاطر التي تطرحها .

هناك نقطة اساسية اخرى لابد من توضيحها . فالقيادة بأوسع معانيها : تدور حول الحكم . وهي تصف علاقات المبادرة ورد الفعل . السلطة والتبعية  الامر والطاعة  والتي هي مألوفة للمجتمعات على مر التاريخ .. ولكن تعبير القيادة هو ايضا مستخدم بمعنى اكثر تحديدا للاشارة الى نمط او طراز من الحكم : حكم يعتمد على القدرة على الاقناع او اعطاء القدوة للاخرين بدلا من الاكراه والامر .

ان قيادة من هذا النمط تكون واثقة وعلى اتم الاطلاع ولاسيما في الانظمة الديمقراطية او الجمهورية . ومع ذلك فأن هذا المصطلح مازال يخفق في ان يعكس تماما الصفة الايجابية للقيادة بوصفها تعبيرا عن المهارة في الوقت الحاضر . والقيادة سواء في العمل السياسي ام في الاعمال التجارية ترتبط قبل كل شيء بالافراد المفعمين بالحيوية الذين ينشدون فرض رؤيتهم الخاصة على منظمة ما  والمبادرة الى التغيير او استشرافه سعيا وراء هذه الرؤية  القيادة الصحيحة قيادة تلتمس تغيير قوانين اللعبة وربما مجرى التاريخ وليس عقد صفقات والتسويات غير المنظمة والذي هو ما يفعله معظم القادة السياسيين في معظم الوقت .

ماهو جوهر القيادة ؟ يبدو ان احتمال الجواب عن هذا السؤال هو انه ربما يكون المعرفة في اي شكل يبدو جوابا غير مقنع في المقام الاول لاننا نميل الى ان نساوي مابين المعرفة والخبرة . والسياسيون ليسوا خبراء .. ونحن لانتوقع منهم ان يكونوا خبراء .. فما يملكونه بالفعل مما يميزهم عن الناس العاديين هو بالاحرى نوع من الدينامية الشخصية والمقدرة على اشاعة الثقة في نزاهتهم والثقة في مقدرتهم على الاداء .. ان القواعد اللغوية للقيادة هي مهنة ادارة شؤون الدولة .. ويستخدم المصطلح الان بشكل حصري للاشارة الى الدبلوماسية او ادارة السياسة الخارجية والداخلية … ان فن ادارة شؤون الدولة هو فن التكيف مع بيئة معادية حيث تولد الافعال ردود الافعال بطرق غير متوقعة ويتحكم الحظ وعدم اليقين  ومثله مثل الاستراتيجية ايضا  فأن فن ادارة شؤون الدولة هو كذلك فن ربط الوسائل بالغايات واذا ما كانت الاستراتيجية وفق الصيغة التي وضعها كلاوزفيتز ( رائد الاستراتيجية ) هي فن استخدام المعارك لتحقيق اهداف الحرب .. فأن ادارة شؤون الدولة هي فن استخدام الحروب وغيرها من الوسائل المتاحة للقادة السياسيين لتحقيق اهداف قومية .

ان مهنة ادارة شؤون الدولة يجب ان تكون معنية بكل من الاهداف التي تسعى وراءها امة ما والطرق والوسائل اللازمة لتحقيقها . وقد تبلغ ممارسة القيادة حد ايضاح ” رؤية ” ما  ولكن مهنة ادارة شؤون الدولة كما هو مفهوم على النحو الصحيح  هي ايضا تدور حول شيء اكثر _ وشيء يحتمل ان يكون اكثر صعوبة : الطرق التي تتحق بواسطتها الرؤى … وتتطلب مهنة ادارة شؤون الدولة المؤثرة تفهما لمختلف الوسائل المتاحة بالفعل او المحتمل توفرها لرجال الدولة والمقدرة على استخدامها في نمط متناسق وفي ظروف مختلفة من اجل تحقيق اهداف سياسة الدولة .

ان اول وأسمى عمل من اعمال اتخاذ القرار والابعد تأثيرا الذي يتوجب على رجل الدولة والقيادي ان يقوما به  وهو ان يؤسسا … لنمط الحرب التي يخوضانها دون ان يخطئا فيها او ان يحاولا تحويلها الى شيء غريب عن طبيعتها .. هذه الملاحظة التي سجلها كلاوفيتز هي حكمة ذهبية لفن ادارة شؤون الدولة.. وماهو حتى اكثر اهمية بالنسبة للسياسيين وللقادة عموماهو بأية حال  وجود تفهم صحيح لنوع الكيان الذي يتولون قيادته . وهذا هو بالنسبة للسياسيين الاساس الذي لاغنى عنه للمعرفة السياسية والقرار الحكيم .

وهـــــــناك مسألتــان متباعدتان رغم انهما متصلتان تحتاجان الى الانصراف لمناقشتهما هنا ..الاولى : هي طبيعة الدولة والثانية : طبيعة التنظيم الداخلي للدولة ( شكل الحكم او النظام).

ولنأخذ نموذج العراق في التطبيق  نجد اننا مازلنا مرحلة الصيرورة  ونود ان نؤكد حقيقة مهمة للغاية وهي اننا لازلنا في طور النقاش حول ماهية الدولة المنشودة  وفي طور الاعداد للمشروع السياسي العراقي ..

في البدء  نقصد بالمشروع :رؤية مؤملة يشرع بتحقيقها عبر صيرورة مستمرة  وينتهي المشروع اما بتحقيق هذه الرؤية وبلوغ الاهداف المؤملة او بالاخفاق في تحقيقها بسبب انهياره ..

في العراق اشكاليات لايمكن تجاهلها لانها تمثل الوعاء الازموي لتفريخ الازمات وابرزها ( طبيعة الدولة … طبيعة التنظيم الداخلي للدولة … ايديولوجية النظام السياسي ….القيادات الرئيسية والفرعية .. المنظورة وغير المنظورة … التداخل المؤسسي بين الاجهزة السياسية والاجهزة التنفيذية … ادارة شؤون الدولة … رسم وصنع السياسات الحكومية … المكون المجتمعي .. الثقافة السياسية .. المكونات العشائرية والقبلية … المؤسسة العسكرية)…. وغيرها من الاشكاليات المنضوية داخل هشاشة السياسة وجبروت الايديولوجيا الاحادية تارة وبين جبروت السياسة وهشاشة الايديولوجيا تارة اخرى … ان العراق يحتاج الى مؤسسة عملاقة تضم قيادات من نمط القيادات التحويلية المؤهلة بأدارة شؤون الدولة بأدوات الضبط والردع  قادة يعرفون كيف يكونون فعالين  كيف يتعاملون مع الحروب والازمات والدبلوماسية والاستخبارات السرية والمستشارين السياسيين ووسائل الاعلام والمزيد …. العراق بحاجة الى قادة جماهير وليس قادة سلطة .. قادة يجيدون فن ادارة شؤون الروح العراقية

Facebook
Twitter