اختتمت العاصمة بغداد الأسبوع الماضي، مهرجانها الدولي للمسرح بمشاركة عربية ودولية، في ظل تراجع حاد في الاهتمام به لأسباب مختلفة أرجعها مختصون إلى ظروف ومتغيرات اجتماعية واقتصادية وأكاديمية وتكنولوجية عدة، بدءا من غزو منصات وتطبيقات السوشيال ميديا، إلى انحسار الخبرات والطاقات، وحتى ضعف التسويق، وشح الدعم الحكومي، وتراجع التجارب الشبابية.
ويقول المخرج تحرير الأسدي، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أبرز أسباب تراجع المسرح هو تدني ذائقة المتلقي الذي أصبح يبحث عن الترفيه والكوميديا في مواقع التواصل الاجتماعي”.
ويوضح الأسدي، أن “تلك الوسائل ساهمت بالترويج لأشخاص تفتقر للفن والمهنية، وقدمتهم للجمهور في إطار كوميدي، ما جعل القنوات الفضائية تستعين بهم في الدراما كنجوم على الشاشة، طمعا بنسب المشاهدات العالية”، منتقدا “إهمال الجهات الحكومية والقنوات التلفزيونية والأوساط الثقافية والفنية لعامل الذائقة الفنية، والاندفاع وراء الانتشار والتسويق فحسب”.
وينبه إلى “أزمة حقيقية تقف بمثابة حجر عثرة أمام تطور المسرح، وهو انعدام النصوص الناجحة، وشحة الكتّاب، باستثناء محاولات لا توازي طموح ومتطلبات حركة النهوض المسرحي، بالرغم من خصوبة الواقع العراقي بالمزيد من القصص المميزة”.
واختتمت دائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة، مساء الأربعاء الماضي، الدورة الخامسة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح، والذي انطلق في العاشر من كانون الأول ديسمبر الحالي، بمشاركة فرق مسرحية من إيطاليا وفرنسا والسويد، والأردن وتونس والمغرب ولبنان والكويت والسعودية وإيران، بالإضافة إلى شخصيات أوروبية قدمت ورشات مسرحية للشباب.
وأقيم المهرجان على ثلاثة مسارح وسط بغداد، هي المسرح الوطني ومسرح الرشيد ومسرح المنصور، وتضمنت 16 عرضا مسرحيا عراقيا وعربيا ودوليا، وأقيم للفترة من 10- 18 كانون الأول ديسمبر الحالي.
إلى ذلك، يقول الناقد المسرحي الدكتور كاظم عمران، لـ”العالم الجديد”، إن “عاملي الشهرة والمال هما سببان أساسيان في شحة إنتاج الأعمال المسرحية، كون الفنانيين المسرحيين منشغلين في الإنتاج التلفزيوني بشكل أكبر، لأنهم قد وجدوا ضالتهم فيه بما يحققه لهم من مكاسب مادية كبيرة، إضافة إلى سعي البعض منهم لتمرير الكاريكتر الخاص به للجمهور عبر شاشة التلفاز ليحقق عامل الشهرة من خلاله كوسيلة انتشار لا يجدها في المسرح”.
ويؤشر عمران، “انحسار الخبرات والطاقات المسرحية التي كانت بارزة في عقدي السبعينيات والثمانينيات”، لافتا إلى “عدم مساهمة رائدي الفن الحاليين في دعم المسرح من خلال وضع الحلقات للكثير من زملائهم لخلق وريثين شرعيين لهم في المستقبل، كي يساهموا في انتشال الواقع المسرحي المرير إلى واقع غزير يعج بالنصوص المميزة”.
كما ينوه إلى “مسؤولية الدولة وأصحاب القرار في هذا المجال تجاه هذا الركن الفني المهم”، مطالبا الحكومة بـ”العمل على وضع خطوات ناجحة لإعادة روح المسرح من خلال إقامة فعاليات وأنشطة شبابية في المعاهد والمدارس لاكتشاف المواهب الفنية وتّبنيها، إذ أن تلك الأنشطة أضحت مفقودة بيننا، وأن إقامتها ضرورية في توليد روح المنافسة الشبابية الذي ينتج عنه كتاب وممثلون رائعون، إضافة إلى ضرورة إقامة مهرجانات عدة يطرحون من خلالها نتاجهم الإبداعي لإنعاش روح المسرح العراقي الذي يُنعش بالتالي ثقافة البلد أجمع”.
يذكر أن جذور المسرح العراقي، تعود إلى بدايات القرن الماضي، لكن الفرقة التي أنشأها رائد المسرح العراقي الفنان حقي الشبلي، في العام 1927، أرخت لتأسيس العمل المسرحي في العراق، فيما عد النقاد قيام الشبلي بتأسيس قسم التمثيل عام 1935، البداية الحقيقية لتأسيس المسرح العراقي الحديث.
من جانبه، يقول مدير مسرح الرشيد، مرتضى حبيب، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المسرح في العراق يفتقر اليوم، للحملات التسويقية الضخمة التي من شأنها أن تستقطب الجماهير وتنشط حركة حضورهم”.
ويعزو حبيب، أسباب ذلك إلى “عدم توفر كادر ترويجي مختص بهذا الشأن، نظرا لمحدودية التمويل الحكومي، إضافة إلى أن الترويج عبر الفضائيات يتطلب دفع أجور مادية كبيرة لا تتحملها ميزانية الإدارة”.
ويشير إلى جانب آخر متعلق بـ”تردي الواقع التعليمي في معاهد وكليات الفنون الجميلة لإبراز المواهب الشبابية التي من شأنها أن ترتقي بهذا الفن، نظرا لقلة ذوي الاختصاص والخبرة في مجال التدريس، بالإضافة إلى إغفال الكليات والمعاهد لتبني المواهب الشابة، فضلا عن إهمال الدعم المادي واللوجستي لتلك المواهب من أجل إحياء الفن المسرحي، الأمر الذي انعكس سلبا على عدم ظهور جيل مسرحي مبدع”.
ويختتم مدير مسرح الرشيد، حديثه بالتعبير عن تفاؤله، بـ”مخرجات مهرجان بغداد الدولي للمسرح، التي ستنعكس إيجابا على واقع المسرح”، مؤكدا المساعدة في “إنتاج عروض مسرحية بارزة لاقت استحسان الجميع”.
وشهدت فعاليات ختام مهرجان بغداد الدولي للمسرح، توزيع الجوائز على أفضل الأعمال المتنافسة، حيث حصل العرض الإيطالي “أوفيليا” على إشادة وتنويه لجنة التحكيم “لتقديمه عملا منظما ومنسقا”، فيما حازت المسرحية الإيرانية “الحصان القاتل” على المركز الأول عن فئة أفضل “سينوغرافيا” (فن تصوير المَشاهد) بعد منافسة مع المسرحية العراقية “الجدار”، والتونسية “عطيل وبعد”.
وفي فئة أفضل نص مسرحي، خطف نص “عطيل وبعد” للمؤلف التونسي بوكثير دوما الجائزة الأولى، بعد منافسة مع نص “سيرك” للمؤلف والمخرج جواد الأسدي من العراق.
وحازت الممثلة العراقية شذى سالم على الجائزة الأولى عن فئة أفضل ممثلة بعد أن ترشحت لها رفقة 4 ممثلات هن: حلا عمران من الكويت، ومريم شكر من إيران، وآلاء نجم من العراق، وفاطمة الشوال من تونس.
وفي فئة أفضل ممثل، فاز التونسي مهذب الرميلي، بعد تنافس مع أحمد شرجي وعلاء قحطان ويحيى إبراهيم من العراق.
وضمت القائمة القصيرة لفئة أفضل مخرج كلا من جواد الأسدي عن مسرحية “سيرك” من العراق، وسيد محمد عن مسرحية “الحصان القاتل” من إيران، وسنان العزاوي عن مسرحية “الجدار” من العراق، وحمدي الوهايبي عن مسرحية “عطيل وبعد” من تونس، لتذهب الجائزة إلى المسرحي جواد الأسدي.
بغداد .. نور عبد الله