التفاصيل

بين “البهدانية” و”الصورانية”… خطوات لتحويل الكردية لغة أولى في الإقليم

متابعات اعمار

اتخذت السلطات الحكومية في إقليم كردستان العراق خلال الشهور الماضية، قرارات رئيسية عدة، متعلقة بتكريس اللغة الكردية في الشأن العام، خصوصاً في التعليم والمعاملات العامة والأسواق التجارية.ا

وجاء ذلك بعدما تعرّضت الجهات المعنية لانتقادات من بعض المثقفين واللغويين الأكراد، بشأن عدم اهتمامها باللغة الكردية في مجالات حياتية، خصوصاً بالنسبة للأجيال الكردية الجديدة، التي صارت من جهة تهتم وتركّز على تحصيل لغات أجنبية، غربية تحديداً، وما يوازيها من انتشار للغات العربية والتركية والفارسية في الشأن العام للإقليم.ا

فرضت وزارة التربية في الإقليم خلال العام الدراسي الجاري اللغة الكردية، مادة رئيسية “إلزامية”، على مختلف المدارس الخاصة والدولية في كل محافظات الإقليم، إذ صار تدريسها وتعلّمها والخضوع لامتحان نهائي فيها، شرطاً لتجاوز أي طالب لشهادتي المرحلتين المتوسطة والثانوية، أياً تكن هوية المدرسة الخاصة، ومن أية خلفية “قومية” أو أبناء أية جنسية لدى الطلاب، حتى في تلك المدارس المتخصّصة باللغات الأجنبية فحسب.ا

رقابة صارمة على اللافتات

إلى جانب ذلك، فرضت السلطات البلدية والرقابية، في كل مدن الإقليم وبلداته، على المحال التجارية أن تكون الكتابة على واجهات المتاجر والمراكز العامة والعيادات الطبية والإرشادات السياحية، باللغة الكردية، وإن كانت لا تمانع أن تكون بلغة أخرى إلى جانبها، خصوصاً العربية، كلغة رسمية في الإقليم. وينسحب الأمر على “البروشورات” وأنواع الدعاية والترويج التي تعمل عليها المؤسسات التجارية، ومعها الفواتير والمعاملات اليومية الصادرة عنها.ا

كانت سلطات الإقليم قد اتخذت في أواخر العام الماضي قراراً بتحويل التعليم في مدارس اللاجئين السوريين في الإقليم من العربية إلى الكردية. فاللاجئون السوريون الذين يقدّر عددهم بـ 300 ألف، ويُدرّس أولادهم في أكثر من 350 مدرسة عمومية، تُدار بالشراكة بين هيئات المنظمات الدولية ووزارة التربية في إقليم كردستان، كانوا يتلقّون مناهج باللغة العربية بشكل شبه كامل طوال السنوات العشر الماضية، لكنهم صاروا أخيراً يتلقّون المنهاج المُعتمد من وزارة التربية في الإقليم.ا

تباينات حيال القرار

أثارت قرارات السلطات تأييداً وترحيباً من الجهات الثقافية والتعليمية في الإقليم، التي اعتبرتها بمثابة إعادة توازن وتكريس للهوية الثقافية والروحية الكردية لإقليم كردستان، مع إبقاء هامش واسع للتنوّع والشراكة مع اللغات “الأجنبية” الأخرى، خصوصاً العربية، المعتبرة رسمية في الإقليم، إذ ثمة مئات المدارس الحكومية باللغات العربية والتركمانية والسريانية، يتلقّى فيها الطلاب دروساً محدّدة باللغة الكردية.

واللغات الأجنبية، خصوصاً الإنكليزية والفرنسية، إلزامية في مختلف مدارس الإقليم كلغات ثانية في المدارس الحكومية، ولغة أولى في المدارس الخاصة.ا

في المقابل، عبّر كثيرون من أوساط اللاجئين والمقيمين والعاملين في إقليم كردستان، عن وجهات نظر متباينة. فبعضهم اعتبر هذه القرارات سعياً لمزيد من الاندماج بين سكان المنطقة الواحدة بالنسبة للمقيمين، وخصوصاً أنّ مئات الآلاف منهم مُقيمون منذ عشرات السنوات في الإقليم، لكن البعض الآخر اعتبر القرارات بمثابة فرض ثقافي ولغوي على أبنائهم، خصوصاً الذين يعيشون في إقامة موقتة في الإقليم.ا

الباحثة في علم الاجتماع مايا أحمد، شرحت في لقاء مع “النهار العربي” الدوافع والاستراتيجية التي يعمل عليها إقليم كردستان لتبنّي مثل هذه القرارات، وقالت إنّه “يسعى إلى تكريس لغته كأداة للدفاع عن النفس، مثل أية سلطة سياسية أخرى، خصوصاً في البلدان والكيانات الصغيرة نسبياً، المتوجسة من تمدّد أشكال العولمة وأدواتها، وتحديداً عبر انفتاح الأسواق والعوالم على بعضها، وانتشار وسائل التواصل الحديثة، ما يُهدّد اللغات المحلية بالاندثار والاختفاء، خصوصاً في المجالات المعرفية والاقتصادية”.ا

نضال طويل من أجل اللغة

وتضيف: “في المحصلة، يملك الأكراد تاريخاً طويلاً من الصراع لترسيخ لغتهم القومية، وذلك بعد سنوات مريرة من منعها وتجريم تداولها في المجال العام، خصوصاً الرسمي، وهي سياسات لا تزال قائمة في عدد من دول المنطقة. لكن القياس لن يكون سليماً بمجرد النظر إلى قرارات عادية لتثبيت اللغة الرسمية في الإقليم، فثمة لغات رسمية أخرى فيه، لا يتمّ قمعها، وتحديداً العربية، والفضاء العام والمؤسسات التعليمية في الإقليم متخمة باللغات الأجنبية. وطبعاً ثمة صحافة ووسائل إعلام وحرّية تداول بمختلف اللغات، الإقليمية والعالمية”.ا

وبرزت مخاوف فئات واسعة من المثقفين واللغويين الأكراد خلال السنوات الماضية، بعد موجة الهجرة الواسعة إلى إقليم كردستان، سواء من العراقيين العرب من غير سكان الإقليم، ومن النازحين واللاجئين من مختلف دول المنطقة، خصوصاً من سوريا ولبنان وإيران وتركيا، وصاروا حسب بعض الإحصاءات، يزيدون عن نصف سكان الإقليم، ويشغلون جزءاً واسعاً من الشأن العام والأسواق والمعاملات، وخصوصاً أنّهم جميعاً كانوا يتمتعون بنوع من التعليم الخاص.ا

صراع لهجتين

واندلع جدال واسع في الإقليم منذ العام الماضي، مع إقرار وزارة التربية اللغة الكردية، باللهجة البهدنية، لغة تعليم في المناطق الغربية من الإقليم، بعدما كانت اللغة الكردية، باللهجة الصورانية، وحدها لغة تعليم موحّدة في مختلف مناطق الإقليم. فالأوساط التعليمية والثقافية تطالب السلطات بتشكيل لجنة متخصّصة بتوحيد اللهجتين، واتخاذ لغة كردية رسمية في مختلف مناطق الإقليم، وتالياً “فرضها” على المعاملات والتعليم والشأن العام.ا

Facebook
Twitter