تجربة مرة وقاسية، وغير متوقعة تذكرنا بحوادث الطبيعة الجسيمة التي تنفجر في لحظات، وتفاجئ الجميع، فتنزل من أعلى جبل، أو من ركام غيوم، أو من باطن الأرض التي تهتز بشيء لم يكن في الحسبان فيتحول الغضب الى صور تتقاطع وتلتقي في جمجمة تضطرب فيها الأفكار، بعد أن توهمت الإستقرار والأمن والسكينة وهي تعاند الرب، أو الطبيعة، أو تقلبات الزمن، أو تحركات البيئة الأرضية المتلاقية من فوق، ومن تحت، ومن الجوانب بأجسام صغيرة غير مرئية، وبرياح وأتربة ومعادن ومكامن أرضية تحوي أسرار الطبيعة الصادمة التي تبقئ الإنسان المعاند مجرد كذبة ويقيم بثمن بخس خاصة حين يمرض، فيجد نفسه وحيدا إلا من تمني الشفاء، والرغبة بالحياة، فيتحول عناده وغروره وتكبره الى نكتة سمجة فارغة تافهة لاتساوي ثمنه، هو ذلك الكائن الضعيف الذي يتعرض الى الصفعات، وهو لايرى ولايتيقن اليد الخفية التي تصفع، ويبحث عن ثمن لنفسه فلايجد، فقد بارت السلعة في سوق كورونا، وعلى رصيف العجز والإمتهان.ا
عندما يواجه الإنسان ضعفه وهوانه وحقيقة قدراته المحدودة والضعيفة يطلب النجاة، ويبحث عن الخلاص بقنينة دواء، أو حبة براسيتول، أو بكلمة دعاء، أو قطعة قماش مبللة، أو حقنة يمكن أن تخفض من حرارة جسده الناحل المنهار والخاوي إلا من أمل ضعيف بالشفاء، وصبر على العناء لتمر المحنة الى غير رجعة، فيعود سويا قويا يشعر أنه جزء متجدد من الحياة، وليس فردا عابرا الى المجهول في زمن اللامعقول من العذابات والآلام والأحزان والفراغ اللامتناه الذي يبتلعه، ويبتلع غروره وتجبره بأكمله.ا
تبقى الفرق الطبية، والعاملين في وزارة الصحة ومؤسسات ومديريات الوزارة هي الأكثر قربا من لحظات التحدي، والتواصل مع حال الطواريء الطبية، وعدم التراجع، أو التردد والإستمرار في البحث عن الحلول، وتوفير ضمانات السلامة والوقاية المستمرة التي تتحول الى حالة تحد يومي غير مسبوق خشية الزيادة في حالات الإصابة بالوباء خاصة حين تتجه الفرق الطبية والجوالة منها الى القرى والأرياف البعيدة لإجراء فحوصات، وأخذ مسحات وعينات من المواطنين لتحديد الإصابات، وتوفير متطلبات العلاج، وحماية المواطنين من عوامل الإصابة المتوقعة.ا
أود تقديم الشكر الى وزارة الصحة العراقية، والملاكات الطبية الشجاعة التي واجهت الموت بروح الحياة، وتعلمت الدروس من أيام المحنة، والتقدير لمديرية صحة الكرخ، والدكتور جاسب لطيف الحجامي خاصة الذي أتواصل معه منذ أكثر من عام دون أن يكل، أو يمل من التحدي، والمساعدين الفاعلين معه في المواجهة، ولجنة الصحة البرلمانية ومديريات الصحة الأخرى في بغداد والمحافظات. وهناك أسباب عديدة للشكر والتقدير والإمتنان، وخاصة للأبطال الذين توفاهم الله، وهم في خط المواجهة الأول من أطباء وباحثين ومساعدين طبيين وفنيين وتقنيين وموظفين إداريين.ا
المجد لهم جميعا، ولأرواحهم العالية.ا
هادي جلو مرعي