التفاصيل

صورة قيد – واحد من الناس

(كتبه اثناء الانتظار بين نافذة واخرى)

في الطريق الى الدوائر الحكومية في العراق معاناة يومية لا تنتهي. بدءا من سطوة الشمس اللصيقة بالجلد وحتى مزاجية الموظف المتأفف، يخوض الناس معاركهم و مآسيهم ضد قوانين بيرقراطية لا ترحم. أوراق وأوراق، وأختام وتوقيعات تتكرر وتتناوب وساعات تمر وأيام، في زمن يكاد لا يفضي الى قرار.تجربتي كانت أقرب الى الكوميديا السوداء. مضحكة ومبكية. وهكذا هي تجارب الناس على الأغلب.تقدمت ابنتي الى سفارة العراق في دولة خليجية للحصول على جواز سفر. وبعد انتظار دام أكثر من ستة شهور وصل الرد. ثمة تباين او خطأ في حرف في  إحدى وثائقها الثبوتية، هكذا كان التعلل، دون الافصاح عن كنهه. طلب منها الموظف صورة قيد. فبينما هي تقيم وتعمل في ذلك البلد، يُطلب منها صورة قيد من بلدها الاصلي، ولَعمري ما هي إذن وظيفة السفارات والقنصليات إنْ لم يكن المساعدة في ترتيب والتحقق من أوراق المغترب في صميم عملها؟!ولحسن الحظ كنت معها لمساعدتها فطلبتُ من السفارة أن أكون وكيلا عنها.

وهكذا عدنا في يوم آخر ومعنا الأوراق والصور المطلوبة لإجراء (معاملة الوكالة) من جديد.اخذت الوكالة وسافرت الى بلدي.هل رحلة الانتظار انتهت؟ بل هي بدأت. بدأت للتو.يوم لتصديق الوكالة وشهادة الحياة (لا معنى واقعي لها)، ويوم لفتح الطلب وآخر وآخر.عنوان الطلب. مكتوب في ذيل الوكالة؛ طلب صورة قيد. وبعد تقديم المطلوب وأختام وتوقيعات وانتظار، تقرر الانتقال الى مكان اخر من أجل: صحة صدور شهادة الجنسية!، وهناك حيث مرحلة جديدة في صباح جديد، أوراق واستنساخ وصور. وطلبوا مني فيما طلبوا: صورة قيد!! غريبة! ولو كنت أمتلك صورة القيد هل كنت سألجأ اليكم؟! وعرفت لاحقا إن المطلوب كان صورة قيد ورقية بينما المطلوب أصلا هو صورة قيد الكترونية.

ثم عدت لمبنى الجنسية من جديد. لاستكمال ما تبقى. وكما يقول المتنبي في طريق هروبه من كافور: وباقيهِ أكثرُ ممّا مضى.إحدى المرات، أو بالأصح: إحدى النوافذ لموظفٍ، طلب شهادة الحياة لموكلتي التي ما كانت لتوكلني لولا أنها على قيد الحياة. وما نفع طلب القيد أصلا لميت!؟أعطيته ما يريد واحتفظَ بها لنفسه وبإشارة لا يُفهم منها شيء انتهى يومي. ليبدأ آخر.في محطة جديدة طلب موظف آخر نفس شهادة الحياة التي لم تعد في حيازتي. قلتُ: أخذها مني زميلك أمس ولم يعدْها. قال: لماذا لم تحتفظ بها؟هذه مسؤوليتك! كيف لي أن أعرف حدود مسؤوليتي إذا كانت أسئلتي بلا إجابات وإنّ اللغة السائدة تستند الى الاشارات الغامضة والصمت المحايد؟ 

وبعد بحث مرير وجدتها في مكتب الأضابير. أخذت نسخة عنها وعدت منتشيا بالعثور على ضالتي الى ذات المحطة ونفس الموظف الذي وضعني آخر الطابور من جديد. اعترضت ونافحت وصرخت، وكانت صرخة في واد، إكتشفت ان الشكوى مثل عدمها في بلد ثقيل السمع.والملفت إنّ مدير الدائرة كان هادئاً دمثاً حتى في عتابه، متعاوناً ومهوّناً ثقل المهمة. وكان مساعدوه مثله في حسن الأداء.ثم واصلت رحلة الأختام والاجابات والانتظار.وبدا لي أني أقترب من خط النهاية، قبل انتقال آخر و أخير الى دائرة الجوازات. لتنتهي مع مبنى قليل الزوار وعميده الكيّس المهيب، ومسؤولة حييّة ومبتسمة كان على يديها وصول الرحلة الى بر الأمان. وكان ختامها مسكا.

Facebook
Twitter