وسط أحداث ساخنة في المنطقة، تألقت الكنائس ومنازل المسيحيين في العراق بالأضواء والزينة وأشجار الميلاد، في مشهد عكس تمسكهم بتقاليدهم ورغبتهم في إحياء روح الفرح والسلام في عيد الميلاد، لا سيما أنهم تعرضوا في سنوات سابقة لعنف واضطهاد وتهجير من جماعات إرهابية وميليشيات مسلحة.
وقال الأب رافد يوحنا في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “الاستعدادات جارية للاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية التي تحمل رسائل أمل وسلام للعالم، خصوصاً في ظل الصراعات والتوترات التي تشهدها المنطقة”.
ولفت إلى أن “الكنائس التي تجمع الناس على المحبة والتسامح تلعب دوراً محورياً في نشر السلام من خلال الصلوات والاحتفالات الروحية والتواصل مع مختلف الطوائف وسنركز على الصلاة من أجل السلام في العراق والمنطقة، ومن المهم أن تكون الكنائس منارات للأمل في أوقات المحن”.
وتابع: “نحن ملتزمون بالصلاة والعمل لغدٍ أفضل لكل الشعوب بغض النظر عن أديانها أو انتماءاتها. أعياد الميلاد في العراق ليست مجرد مناسبة دينية عند طائفة معينة أو مناسبة سعيدة للجميع، بل فرصة لتعزيز التعايش بين مختلف الطوائف والأديان”.
من جهة أخرى، قال رئيس الكنيسة الكلدانية في كركوك، يوسف توما، في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “المسيحيين في كركوك سيحتفلون هذا العام مثل كل عام بالعيد ويحدوهم الأمل بكل ما هو جميل متمنين للعراق الأمن والأمان والتقدم”.
وأضاف أن “دعواتنا وأمنياتنا في العيد تتجدد سنوياً بأن يحل الأمن والسلام والاطمئنان وتتكاتف الأيادي من أجل بناء البلد والحفاظ على الأخوة والمحبة التي تربط بين أبناء مكونات كركوك”.
وشهدت شوارع المدن في العراق، خصوصاً التي تضم خليطاً من الأديان والمذاهب، إقبالاً ملحوظاً على الزينة، وانتشرت أشجار الميلاد والأضواء والنجوم والكرات الملونة ومختلف أشكال الزينة.
ونشطت الحركة في محال بيع الهدايا التي عرضت ألعاباً وكل لوازم الزينة والشوكولاتة المغلفة بألوان العيد. لكن الظروف الاقتصادية الصعبة ألقت بظلالها، وباتت عائلات عدة أكثر تركيزاً على الاحتفالات الروحية والبسيطة، مع تقليل النفقات على الزينة والهدايا مقارنة بالسنوات السابقة.
وكانت صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية ذكرت، أمس الاثنينـ أن اضطهاد المسيحيين، والمتحولين إلى المسيحية، منتشر في العراق الذي وصفه التقرير بأنه يحتل المرتبة الـ16 عالميا كأثر البلدان خطورة بالنسبة للمسيحيين، وذلك رغم إشارته إلى أن إرهابيي داعش حاولوا القضاء على المسيحية القائمة في العراق منذ ألف عام، ولم ينجحوا.
ونقل التقرير الأمريكي، الذي تابعته “العالم الجديد”، عن رئيس منظمة “الاهتمام المسيحي الدولي” جيف كينغ قوله إن هناك مستويات مختلفة للاضطهاد الذي يواجهه المؤمنين بالمسيحية في هذا البلد”، مشيرا أيضاً إلى أن المسلمين الذين يتحولون الى المسيحية، يواجهون عواقب تتراوح ما بين الضرب والخطف أو حتى الموت.
وبحسب كينغ فإن الاضطهاد يعتمد على مستوى الاصولية المتفشية، مشيراً إلى احتمال تعرض المتحول إلى المسيحية بشكل عادي إلى الضرب والخطف، وقد يصل أيضاً إلى “أسابيع من التعذيب، وحتى القتل”، مضيفاً أن هذا وضع معتاد وقد يكون من الصعب على الغربيين فهم فكرة أن من يقوم بذلك هي العائلة نفسها.
ووصف التقرير، العراق بأنه البلد الـ16 الأكثر خطورة في العالم بالنسبة للمسيحيين، وفقا لقائمة منظمة “اوبن دوورز” العالمية التي تصنف الدول حسب مستوى حدة الاضطهاد داخل حدودها.
ورغم تحديات الحياة اليومية، يحرص العراقيون على التعبير عن فرحتهم بهذا الموسم الذي يجمع بين الطقوس الدينية وأجواء العائلة والمجتمع.
يشار إلى أن المسيحيين العراقيين كانوا ينتشرون في جميع المحافظات من دون استثناء حتى ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن الثقل الأكبر لهم كان في بغداد ونينوى والبصرة وبابل ودهوك، لكن أعدادهم بدأت بالتراجع منذ اندلاع الحرب مع إيران، واشتدت هجرتهم خارج العراق خلال عقد التسعينيات إبان الحصار الاقتصادي والتضييق عليهم في مجال العمل من قبل النظام السابق، ثم بلغت الهجرة أشدها بعد ظهور التنظيمات الإرهابية وخصوصا تنظيم داعش في العام 2014.
وتعاني أغلب الكنائس من الإهمال، بالإضافة إلى صعوبة افتتاح أو بناء معابد جديدة، وهو أمر متوقف منذ سنوات طويلة، فيما تحولت بعض الكنائس في بغداد إلى مخازن للتجار بعد إهمالها وتركها منذ سنوات.
وبحسب المصادر التاريخية فأنه خلال القرون الأولى من دخول الديانة الإسلامية إلى العراق، كان المسيحيون يشكلون الأغلبية من السكان وشغل الكثير منهم وظائف مرموقة خلال الخلافتين الأموية والعباسية، ولغاية تأسيس الدولة العراقية الحديثة تبوأوا مناصب إدارية وثقافية وعلمية مهمة وكانت علاقاتهم وطيدة مع الديانات العراقية الأخرى.
وكانت “العالم الجديد”، قد كشفت في كانون الأول ديسمبر 2020، عن تناقص أعداد المسيحيين في جنوب العراق بشكل كبير، وبحسب تقريرها السابق، فإن قرابة 150 عائلة بالبصرة، أحيت قداس الميلاد الأخير في الكنائس: الكلدانية، الأرمنية، السريانية الكاثوليكية، أما في كنائس السريان الارثوذكس، الانجيلية المشيخية الوطنية، فقد أحيت القداس فيها قرابة 10 عائلات فقط، فيما تحوي ذي قار عائلة مسيحية واحدة، وفي ميسان أحيت 14 عائلة القداس.
العالم الجديد ,, بغداد