التفاصيل

نهاية «البعثيين».. كيف تفاعل العرب مع عراق 2003 وسوريا 2024؟ 

بعد 21 عاما على نهاية نظام حزب البعث في العراق، انتهى عهد البعث الآخر في سوريا بسقوط بشار الأسد، وعلى الرغم من أن كثيرين شبهوا ملامح بغداد 2003 بدمشق 2024، إلا أن التفاعل العربي والإقليمي مع الحدثين والانفتاح على البلدين، لم يكن ذاته، وهو ما عزاه باحثون سياسيون إلى أسباب كثيرة منها اختلاف الجهات التي أسقطت النظامين، والسياسات الإمبريالية والانتقالية، إضافة إلى البعد الطائفي.

وفي هذا الإطار، يقول الباحث السياسي الأردني حازم عياد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك فروقا جوهرية في الكثير من التفاصيل بين المشهد العراقي في 2003 والمشهد السوري في 2024، ففي العراق كانت أمريكا هي الفاعل الرئيسي في الحراك وهي التي تولت إدارة الحكم لفترة ليست بالقصيرة عبر الحاكم العسكري بول بريمر ولم تكن هناك جهة شرعية يمكن التعامل معها في فترة الحكم العسكري الأمريكي الذي كان بصيغة احتلال”.

ويضيف عياد، أن “الوضع العراقي لا يقارن بالهجوم الخاطف الذي شنته المعارضة السورية وتمكنت من الوصول عبره إلى دمشق، فالقوات التي دخلت العاصمة كانت سورية، وأصبح التعامل الآن مع حاكم وإدارة عمليات سورية بالكامل، وهذا فرق كبير مع المشهد العراقي في 2003، فالقوات التي دخلت آنذاك كانت أمريكية، وهو ما وقف عائقا أمام تفاعل العرب مع العراق، لحين تبلور حكومة يمكن التعامل معها”.

ويستطرد، أن “هناك جهدا في سوريا تبذله إدارة العمليات للحصول على شرعية، والحكومة السورية الحالية تتطلع للانفتاح على المستوى العربي وتبعث رسائل طمأنة في جميع الاتجاهات في محاولة لدفع العرب للتعامل معها، لأنها تدرك أهمية ذلك لتكريس شرعيتها في الإقليم والساحة الدولية وحتى في الداخل السوري”.

كما يجد الباحث الأردني، أن “هناك تفاصيل مختلفة ولا يمكن مقارنة المشهد العراقي بالسوري، خصوصا في السنوات العشر الأولى التي مر بها العراق بعد تغيير النظام، فأمريكا كانت معنية بأن تستحوذ على كل شيء وعزل العراق عن بيئته إلى حين فرض رؤيتها بالكامل، وكان الطرف الرئيسي الذي امتلك الجرأة في ذلك الوقت هي إيران التي كانت فاعلا رئيسيا وحيدا تحدى الإرادة الأمريكية، وهذا العائق غير موجود الآن في الحالة السورية”.

كما يعزو مسارعة دول الإقليم في التفاعل مع الوضع السوري، إلى أن “العرب يشعرون أن أي تأخير في التفاعل يعني مزيدا من تمدد النفوذ التركي وقد يعني العودة للدور الإيراني والروسي، لذا هناك سباق إقليمي ودولي للانفتاح على دمشق خلافا للحالة العراقية التي كانت أمريكا تحتكرها بالكامل وتديرها لأشهر طويلة”.

وبعد أكثر من أسبوعين على إظهار الدول العربية بشكل عام، والسعودية والإمارات على وجه الخصوص، حذرا كبيرا في التعامل مع السلطات السورية الجديدة التي يقودها أحمد الشرع، بدأت تلك الدول الخطو نحو دمشق، تمهيدا لمرحلة انفتاح جديدة.

 وعلى رأس المتقدّمين على ذلك الطريق، الأردن الذي أوفد وزير خارجيته من جهة، والإمارات التي بادر وزير خارجيتها بالاتصال بوزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، أسعد الشيباني، علما أن عمّان وأبو ظبي كانتا لعبتا دورا كبيرا لإعادة العلاقات السورية – العربية، أواخر حكم الرئيس السابق بشار الأسد، بعد نحو عقد على القطيعة.

وأكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الذي وصل إلى دمشق والتقى الشرع، دعم بلاده للعملية الانتقالية الجارية حاليا في سوريا، موضحا أن مباحثاته دارت حول “ضرورة بناء وطن حر لا إرهاب فيه ويحمي حقوق كل السوريين”، بالإضافة إلى ملفّي مكافحة المخدّرات وفتح الباب أمام عودة اللاجئين السوريين في الأردن الذي يستضيف نحو 1.3 مليون لاجئ. وكشف الصفدي أنه اتفق والشرع على تشكيل آليات للعمل معا لمعالجة الأمور التي تسهم في مساعدة سوريا في “أن تكون آمنة مطمئنة وتتهيّأ الظروف فيها لعودة اللاجئين”، على حد تعبيره.

من جانبه، يرى الباحث والكاتب السعودي، خالد النزر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التجربتين كانتا متشابهتين لحد كبير، من ناحية الحزب الحاكم (البعث) والذي اتسم حكمه بالدكتاتورية والفساد المالي والإداري، والطابع الأمني البوليسي، والتشابه الآخر المهم أيضا أن القادمين للسلطة بعد سقوط النظام في كلا البلدين هم إسلاميون يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية بنظرهم، بغض النظر عن اختلاف المذاهب، وهذا يسبب في البدايات قلق وترقب شديد من المحيط العربي”.

ويتحدث النزر، عن “فروقات جوهرية أو ظرفية بين هاتين الحالتين أدت بطبيعة الحال لهذا التباين في التفاعل العربي، ففي الحالة العراقية كان سقوط الحكم السابق بغزو عسكري من قِبل دولة عظمى، كان يُنظر إليها في العالم العربي والإسلامي آنذاك كدولة إمبريالية استعمارية، بينما في الحالة السورية، ما ظهر على السطح هو أن السقوط كان بأيدي ثوار من الشعب”.

ويضيف، أنه “في الحالة العراقية لم تكن جرائم النظام وفظائعه معروفة لعموم الشعوب العربية الأخرى، بينما في الحالة السورية كان الحراك جماهيريا صاخبا وعارما خصوصا في بدايته، ولفت جميع أنظار العالم إليه، ومع التباعد الزمني بين الحالتين، توفر للسوريين انتشار وسائل التقنية الحديثة للتوثيق الدقيق من مقاطع فيديو وصور ونقل حي، مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما لم يتوفر لضحايا النظام العراقي السابق”.

كما يؤكد الباحث والكاتب السعودي، أنه “لا مقارنة بين شخصيتي صدام حسين وبشار الأسد، فصدام ذو شخصية قيادية كارزمية كانت خطبه وأحاديثه الشعبوية تجذب الشعوب العربية، وليس مثل بشار الذي أصبحت بلاده في العقد الأخير ملعبا لعشرات الدول والميليشيات، والقرار يتحكم به من عدة أطراف، وأعتقد بأن هذه المقارنة بين نهاية هاتين الشخصيتين مهمة للغاية في إعطاء تصور عن كل منهما في المخيال الشعبي العربي، وهذا بالتأكيد ترك أثر كبير على التباين في التفاعل العربي بين السقوطين”.

ويعتقد أن “الإسلاميين الذين حكموا العراق بعد السقوط، ولأنهم كانوا محتضنين إيرانيا، بل وبعضهم كانوا يقاتلون مع الجيش الإيراني في الحرب العراقية الإيرانية، فإنهم جاءوا بنَفَس حانق على الدول العربية فهي من ناحية لم تكن تستقبلهم مثل إيران عندما كانوا معارضين، ومن ناحية أخرى كانت أغلب الدول العربية تقف مع العراق في الحرب، وبعضها دعمه بالمال والسلاح مثل دول الخليج، كما أنهم جاؤوا بخطاب ولهجة متعالية وكأنهم سيحكمون المنطقة كلها وليس العراق فقط، لذلك كانوا يدخلون في تعارضات وصدامات مع الجانب العربي بشكل متكرر”.

فيما يؤشر النزر، أن “العامل الطائفي له دور مهم في التباين بين السقوطين، وبما أننا في الشرق الأوسط نعيش في مجتمعات دينية في الأساس، وتصاعدت لديها الحالة الطائفية والعنصرية خلال العقود الأخيرة بشكل كبير، فيصبح من الطبيعي أن يتعاطف السنة مع المظلومين السنة في سوريا، كما تعاطف الشيعة مع الشيعة المظلومين في العراق، وبما أن الغالبية من المسلمين هم السنة، فيظهر لنا هذا التباين في التفاعل مع السقوطين”.

وتوافقت زيارة وزير الخارجية الأردني، الذي لعبت بلاده دورا بارزا خلال السنوات الماضية في تشكيل لجنة اتصال عربية عقدت اجتماعا أخيرا في العقبة لمناقشة التطورات في سوريا، حضرته الولايات المتحدة ودول أخرى، مع التوجهات الأميركية المتشجّعة للانفتاح على السلطات السورية الجديدة، المدعومة من تركيا وقطر.

وكانت أنقرة أوفدت وزير خارجيتها، حاقان فيدان، إلى دمشق، حيث زار جبل قاسيون ضمن أجواء احتفالية بالنصر على النظام السوري السابق، ليعقب ذلك إرسال الدوحة وزير الدولة في وزارة الخارجية، محمد الخليفي، على رأس وفد إلى دمشق. وفي مؤتمر صحافي عقب لقائه الخليفي، وجّه الشرع رسالة شكر إلى قطر التي قال إنها “وقفت مع الشعب السوري وثورته منذ البداية”، مشيرا إلى أنها أبدت استعدادها للاستثمار في مختلف المجالات داخل سوريا، بما في ذلك الطاقة والموانئ، معلنا أنه وجّه دعوة إلى أمير قطر، تميم بن حمد، لزيارة دمشق.

من جهته، يشير الباحث السياسي اللبناني هادي قبيسي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “دولا عربية وإقليمية وغربية شاركت منذ البداية في مشروع أصدقاء سوريا خلال الحرب التي بدأت 2010، وكانت لديها مصالح ومشاريع ومكتسبات أمنية في سوريا ولذلك هي تعتبر سوريا مسرحا للتدخل والعمل لتحقيق أهداف بعيدة المدى”.

ويضيف قبيسي: “عندما تغير النظام في سوريا عبر الانقلاب الذي أدارته الولايات المتحدة وتركيا والكيان الصهيوني، كان من الطبيعي أن يحصل انفتاح وإسراع إلى استثمار التحول الذي كانت هذه الدول تهدف إلى تحقيقه، كما من المنطقي أن تنقض هذه الدول على المشهد السوري لحجز حصتها من الاستثمارات ومساحات النفوذ والتأسيس لقدرات سياسية وإعلامية واقتصادية وأمنية في سوريا كونها بيئة هشة ومفتوحة على كل الاحتمالات نتيجة الحالة الانتقالية التي تمر بها سوريا التي هناك تشكيك في وصولها إلى دولة قوية وموحدة”.

وبالمقارنة مع العراق، يرى الباحث اللبناني، أن “الظروف مختلفة كليا، فقد حصل التحول في بغداد بهجوم عسكري خارجي تبعته سيطرة عسكرية وسياسية وقانونية أمريكية، وبعض العرب والأتراك دخلوا في العراق لكن على خط الجماعات التكفيرية ثم داعش لتحويل البلد إلى بيئة هشة تشبه سوريا الآن، لكن العراق استطاع أن يضبط المسار ويحافظ على قدرته واستقلاليته خصوصا بعد تأسيس الجيش والحشد الشعبي ونجاحه ضد داعش”.

ويكمل: “لم يتحقق ما تريده الكثير من الدول الإقليمية في العراق، خصوصا أنه يتمتع بقدرة اقتصادية ومالية كبيرة لذلك لا يمكن مقارنة الوضع العراقي بالبيئة السورية الهشة التي لا يمكن استشراف نتائجها”.

زيارة الوفدين القطري والأردني إلى سوريا جاءت بعد يوم واحد فقط من زيارة غير معلنة أجراها وفد دبلوماسي وأمني سعودي إلى دمشق، لاستكشاف معالم السلطات الجديدة في البلاد، وسط توقعات بإرسال الرياض وفدا دبلوماسيا كبيرا خلال الأيام المقبلة، لإجراء لقاء موسّع يفتح الباب أمام تعاون كبير، في ظل التحولات السياسية التي تشهدها سوريا بعد سقوط الأسد.

بينما عاش العراق مرحلة من القطيعة بعد 2003 مع جواره العربي، اتسمت بالتردد والانغلاق حتى سنوات قريبة حيث أعيد النشاط الدبلوماسي وانفتحت العلاقات بشكل أوسع، بعدما كان يتهم دولا عربية بتصدير الإرهاب ودعم الحركات والأحزاب المعارضة للحكومة.

إلى ذلك، يذهب المحلل السياسي العراقي المقيم في واشنطن، نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى “عدم صحة المقارنة بين ما حصل في العراق وما حصل في سوريا على مختلف المستويات، فالعراق شهد عملية غزو أجنبي أسقطت نظام صدام حسين وأسست لنظام سياسي جديد بكل تفاصيله، وقد رعى كل هذه الخطوات مجلس الأمن الدولي الذي شرعن عملية الغزو بقرار دولي، أما في سوريا، فإن فصائل مسلحة زحفت على العاصمة دمشق لتسقط نظام بشار الأسد”.

ولهذه الأسباب، يجد حيدر، أن “دول الجوار ترددت كثيرا وتأخرت قبل أن تقرر فتح قنوات الاتصال والتواصل مع النظام السياسي الجديد في بغداد خاصة أنه في العام الأول أدارت البلاد سلطة الائتلاف التابعة للولايات المتحدة، لكن في سوريا لم تكن هناك قوات أجنبية غازية ولم يكن لمجلس الأمن الدولي أي دور في كل ذلك، ولذلك جاز للدول أن تتصرف بسرعة للتعامل مع الحكم الجديد الذي بدأ يتشكل في دمشق”.

وبالإضافة إلى تلك الأسباب، يرى أن “العراق في 2003 شهد سقوط النظام السياسي السني لتسلم واشنطن السلطة الجديدة للشيعة والكرد، وهو أمر أثار كثيرا من المخاوف الطائفية لدى دول الجوار والإقليم على وجه التحديد، ومن المفارقات مثلا فان طهران سارعت للاعتراف بالوضع العراقي الجديد كون بديل صدام كانت القوى السياسية الشيعية والكردية وكلها صديقة لطهران والتي لها عليهم الكثير من الفضل في احتضانها ورعايتها، فيما تعاملت دول الجوار والإقليم الأخرى بطائفية مقيتة بسبب إزاحة السنة عن السلطة في بغداد لدرجة أنها رعت الإرهاب ومولته وشرعنته بفتاوى وغطته بالإعلام”.

في سوريا، يجري اليوم العكس، وفقا لحيدر، فإن “كل دول الجوار السوري والإقليم يتسارعون لفتح صفحة جديدة مع الحكم في سوريا مع الكثير من النفس الطائفي الواضح، فيما لم تسع طهران حتى الآن إلى شيء من ذلك، مع الكثير من النفس الطائفي أيضا”.

ويواصل حيدر: “في عام 2003 كان البديل في بغداد غامضا بالنسبة لدول الجوار والإقليم، كما كانت نواياه خافية في الكثير من تفاصيلها، فكما نعرف فإن كل دول الجوار والإقليم كانوا يدعمون ويقفون بقوة إلى جانب نظام صدام حسين فيما كانت مواقفهم عدائية وغير ودية تجاه قوى حركة المعارضة العراقية”.

ويتابع: “أما اليوم فإن الفصائل المسلحة التي وصلت إلى السلطة في دمشق تأسست ونمت وترعرعت وكبرت وقويت وتمكنت بفضل دول الجوار والإقليم والتي رعتها في كل المراحل، لذلك ففي هذه المرة البديل في سوريا صديقهم لا يشكون في نواياه ولم يكن خافيا عليهم في شيء، يعرفونه كما يعرفون أنفسهم”.

العالم الجديد … بغداد

Facebook
Twitter