التفاصيل

هل من جودة في التعليم العالي العراقي؟

أ.د. محمد الربيعي

مقدمة
تعتمد جودة التعليم العالي على عوامل مختلفة مثل البيئة المواتية للتعليم والتعلم، والبنية التحتية، والقيادات التربوية والتدريسيين، والمناهج الدراسية، والتغذية الراجعة الفعالة، وفرص البحث وأنظمة المراقبة. واستنادا لتردي هذه العوامل المختلفة لجودة التعليم تتبين أسباب عدم تبوِئ التعليم العالي في العراق مكانة قديرة بين أنظمة التعليم العالي العالمية.

الوضع الراهن للتعليم العالي

استمرت معدلات الالتحاق بالتعليم العالي والتخرّج منه في الارتفاع على مدار الثمانية عشر عاماً الماضية ، يوجد حالياً أكثر من 100 جامعة وكلية مانحة للدرجات العلمية في العراق وهي تظهر بوضوح تنوع قطاع التعليم العالي- من جامعات القطاع الحكومي الكبيرة إلى الجامعات الأهلية الصغيرة، أدى ذلك الى تركيز جهود الجامعات على مدى العقدين الماضيين على زيادة عدد الخريجين أكثر من تركيزها على تحسين التعليم، أضعف التركيز بشدة على معدلات التخرج والشهادات تعليم طلبة الجامعات مما أدى الى انخفاض مستوى التعليم خلال العقدين الماضيين، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه بالتردي في السنوات القادمة، وبينما تقوم بعض الجامعات بإجراءات جادة وجهودا لتعويض المعايير المتدهورة وتحسين جودة التدريس والبحث، تكتفي العديد من الكليات والجامعات الأخرى بالتعليم التقليدي كما هو معروف منذ عقود من الزمان، ما هو ملاحظ أن الجميع يعترف بوجود مشاكل تؤثر على جودة التعليم العالي ككل ولكن الحلول كما تبدو قليلة.

مشاكل التعليم العالي

المشكلات التي يعاني منها النظام التعليمي في العراق متعددة الأبعاد، وهي تشمل الزيادة الكبيرة في إعداد الراغبين في التحصيل الجامعي وعلى مختلف مستوياته: البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، ونقص الموارد، وعدم ملائمة الخريجين لاحتياجات سوق العمل، وعدم الاتساق في سياسات الوزارات المتعاقبة، وعدم الاستقرار السياسي، ونظام إدارة التعليم غير الفعال، وهدر الموارد الشحيحة، وسوء سياسة القبول، وعدم الكفاءة الإدارية، واكتظاظ الصفوف الدراسية، وعدم كفاية الخدمات الطلابية، وعدم كفاية الموارد المادية، وعدم مساءلة المؤسسات التربوية، وعدم الكفاءة في التدريس، وضعف البحث، ونقص فرص البحث، وضعف السياسات والبرامج وتنفيذها، وخلال العقدين الماضيين لم تتضاعف الكليات والجامعات فحسب، بل ازداد عدد الطلاب في الكليات والجامعات بمعدل نمو مرتفع وبشكل استثنائي، وهكذا زادت مطالب التعليم العالي على قدم وساق، وعلى الرغم من مراقبة الجودة من قبل الوزارة، ستستمر المشاكل المصاحبة للنمو لفترة طويلة قادمة.

ضعف هيكلية نظام التعليم العالي

تؤدي القضايا الهيكلية الرئيسية في نظام التعليم العالي في العراق إلى سوء إدارة المؤسسات التعليمية وجودة التعليم المشكوك فيها، توجد اختلافات في الحوكَمة في كل من جامعات القطاعين العام والخاص. إلا إن نظام إدارة القطاع الخاص لا يختلف كثيراً في كفاءته عن القطاع العام والذي يفتقر إلى الاستقلالية ويخضع لتأثير سياسي قوي، في معظم جامعات القطاعين العام والخاص في العراق، من النادر جدا العثور على رئيس جامعة يتم تعيينه لأنه يمتلك المعرفة حول كيفية إدارة الجامعات، أو أن لديه مساهمة أكاديمية متميزة، وإنما على اساس المحاصصة السياسية، نمت جامعات القطاع الخاص في العراق بعدد كبير في العقدين الماضيين، ومع ذلك، فمن ناحية اخرى، يوفر نمو مثل هذه المؤسسات المزيد من التنوع للطلاب بالرغم من أن عدداً كبيراً منها يشك في قدرتها الاكاديمية والعلمية.

تعتبر قضايا الهيكل التنظيمي السبب الرئيس لعدم كفاءة مؤسسات التعليم العالي، يجب تعزيز الاستقلالية المؤسساتية في سياق يسعى إلى مزيد من المساءلة بداخل الجامعات ونهج أكثر منهجية لهيكل مؤسسات التعليم العالي، يبدو أن مجالس الجامعات غير مدرك لهذه القضايا الهيكلية للجامعات ويعود ذلك الى طبيعة التعيين الروتينية لعضوية هذه المجالس، هذا يؤدي إلى عدم قدرة الجامعات على مواجهة التحديات، تشمل هذه التحديات الاستجابة لحاجة السوق، كما أن قضايا الحوكمة على المستوى الهيكلي والأكاديمي والتنظيمي هي عوائق كبيرة للتعليم الجيد. وتظل الجامعات شديدة المركزية لدرجة أن عملية صنع القرار تظل مشوهة، وتستمر الحاجة إلى اللامركزية من حيث اتخاذ القرار.

أهمية الحوكمة في إدارة التعليم العالي

نظام التعليم العالي في العراق بعيد كل البعد عن التطور، وتعتبر مسألة الحوكمة ودور مجالس الجامعات في كل من القطاعين العام والخاص أمراً بالغ الأهمية، وهناك حاجة إلى إدارة أفضل لضمان الجودة، ولا يتساوى التعليم العالي في العراق مع المعايير الدولية، مما يترك قلة من الخريجين المؤهلين الذين يمكنهم المساعدة في إعادة بناء مؤسسات التعليم العالي. على المستوى الأكاديمي يجب أن يكون هناك توازن صحيح بين البحث والتدريس، لأن البحث ضروري لتطوير أعضاء هيئة التدريس وتحسين التدريس، ولسوء الحظ، في غالبية الجامعات في العراق، يتم التركيز فقط على التدريس (بالعادة يترك البحث لطلبة الدراسات العليا) مما يؤدي إلى تدريس صفوف كبيرة وأعباء تعليمية عالية لا تترك مجالا للبحث المناسب.

لا يمكن للعراق أن يتقدم إلى أن يصبح نظام التعليم العالي فيه قويا بجودته لأن النوعية الحالية تؤدي إلى تدهور قابلية التوظيف وانخفاض أداء الأفراد المتخصصين ونقص الأفكار المبتكرة والإبداعية، وهذه هي العناصر الأساسية للنجاح والتقدم في الوقت الحاضر ، بشكل عام، هناك حاجة لتوسيع القدرة التكيفية وجودة نظام التعليم العالي بحيث يكون أكثر استجابة للعالم المتغير ويلبي الاحتياجات المتنوعة للاقتصاد بالرغم من ضعفه وهزالته على الصعيد المحلي، لهذا الغرض، يجب السعي إلى تنويع نظام التعليم العالي العراقي كهدف، يمكن تحقيق ذلك من خلال وجود مزيج مناسب من المؤسسات العامة والخاصة، الرسمية وغير الرسمية، مطلوب مبادرات خاصة لتعزيز قابلية التوظيف وذلك بالاهتمام بالتدريب المهني والتقني، ويجب تجديد المناهج والمحتوى وأساليب التعليم والامتحانات باستمرار من قبل التدريسيين والجامعات مباشرة ومن دون تدخل الوزارة، ويمكن إنشاء شبكة تنمية المهارات، ويعتبر جمع البيانات حول اتجاهات سوق العمل وتحليلها ونشرها أمر مهم، كما يتطلب تحويل العيوب المذكورة أعلاه إلى قوة لنظام التعليم العالي في العراق، ولكن هذا لا يمكن أن يتم إلا بوجود الإرادة القوية والتصميم والاستعداد للتغيير.

Facebook
Twitter