مندوب سامي في بغداد
صناعة النائب المسؤول
السلوك والسباق الانتخابي
اثار تعيين الرئيس الامريكي دونالد ترامب لمارك سافايا الامريكي الشاب الذي تجاوز الثلاثة عقود بقليل ذوي الأصول العراقية والذي لا يمتلك اي خبرة سياسية مسبقا ، مبعوثا خاصا له في العراق… الكثير من التساؤلات خصوصا مع وجود ويتكوف مبعوث الولايات المتحدة الخاص للشرق الاوسط ، بل وأعاد هذا التعيين الى الاذهان تسمية المندوب السامي البريطاني في العهد الملكي والحاكم المدني بول بريمر بعد الاحتلال عام ٢٠٠٣ خصوصا أن الاخير يتشابه كثيرا مع سافايا في المظهر والخصال والابتعاد عن الأعراف الدبلوماسية والبحث عن الصفقات الخفية.
ان هذا التعيين جاء بعد مؤتمر شرم الشيخ الاخير للسلام ، وايضا بعد حديث ترامب عن ان العراق عائم على النفط “وأهله لا يعرفون ماذا يفعلون به”!!!. وان كان اول كلامه حقيقة مثبتة تسندها الاحتياطيات الهائلة المكتشفة للنفط في العراق ، الا انه خالف العرف والدبلوماسية في شقه الثاني فليس من حق أي دولة التدخل بشؤون الدول الاخرى وفق مباديء الامم المتحدة التي وضعت بعد الحرب العالمية الثانية وليس من حق أي رئيس الاستهانة بالدول الاخرى حتى ولو كان ترامب ، اما ارساله لسافايا مبعوثا خاصا له فانه وفق هذا المنظور جاء لتعليمنا ماذا نفعل بثرواتنا او للاتفاق على نهبها ، وفي ذلك انتقاص حقيقي للسيادة وهدر للكرامة واعتداء لا أخلاقي يمس كل الساسة ويجرمهم في نظر المواطن والتاريخ.
ان ترامب اختار الوقت المناسب لارسال مبعوثه الخاص في وقت حساس يسبق الانتخابات التشريعية بفترة قصيرة وفتح للمندوب بابا مشرعا بكامل الصلاحيات للتواصل مع كل القيادات العراقية المرشحة والتي تبحث عن مكسب سياسي او دعم امريكي مستقبلي ، وهو امر طبيعي ويفترض ان يتم التعامل معه وفق الاعراف والتقاليد الدبلوماسية وعبر القنوات الرسمية ، اما من يفكر من الساسة بالتعامل خارج هذا الاطار الرسمي وخلف الابواب المغلقة فانه اليوم لا يغامر بمستقبله السياسي وشرفه الوطني بل يعرض سمعة العراق للتشويه وينتقص من حاضره وماضيه ويعرض مستقبل اجياله القادمة للخطر الجسيم من وحش رأسمالي امريكي امتص خيرات الشعوب لاكثر من قرن… وهذه حقيقة ينبغي لمن يتعامل معها بهذه الطريقة من الساسة ان يفتح ابواب مزبلة التأريخ ويدخلها قبل ان يرميه الشعب اليها من اوسع ابوابها.
صناعة النائب المسؤول
مع انطلاق الحملات الانتخابية ، غزت صور المرشحين العاصمة وكافة المحافظات والاقضية والنواحي بمئات الالاف في الشوارع الرئيسة وواجهات المباني المرتفعة حتى شوهت المنظر الحضري للمدن وتجاوزت على حقوق الطريق والمرافق العامة ، وكثرت مكاتب المرشحين لشؤون المواطنين والتجمعات الانتخابية العامرة بالخطب الترغيبية الرنانة وبكل ما لذ وطاب من انواع الطعام وتطايرت وعود المرشحين حتى حولت احلام البسطاء الى واقع ملموس قد يحققه المرشح لكل مواطن بعد الفوز بالانتخابات.
وهذا امر طبيعي ، وان كان يؤشر عليه نثر المال بكثرة في تمويل الحملات اولا؛ بصورة تثير الكثير من التساؤلات حول مصادره؟. والتفاوت في الصرف بالتمويل بين المرشحين ثانيا؛ وهو ما يفقد العدالة في المنافسة الانتخابية. واستغلال موارد الدولة بصورة غير شرعية ثالثا؛. وغياب الرقابة رابعا؛ التي يفترض ان تحققه المؤسسات المعنية في متابعة واقع الحملات الانتخابية. وان كان هذا ديدن الفترة التي تسبق الانتخابات في كل مرة بالعراق ، فان ما يؤشر عليها انها تنتهي بمجرد اغلاق صناديق الاقتراع؛ حتى تنهب صور المرشحين في الشوارع من قبل الفقراء والمعوزين وتجار الخردة وتغلق مكاتب النواب وتتبخر وعود المرشحين وينقطع الود بين المرشح الفائز وجمهور المواطنين نهائيا الا ما ندر… لكن يبقى السؤال: اين الناخب الواعي مما يجري؟ وما هي ضمانات وفاء المرشح بوعوده بعد الفوز بالانتخابات؟.
الناخب الواعي اليوم هو الذي يعرف طريقه الى صناديق الاقتراع اولا؛. ويشجع الاخرين على المشاركة ثانيا؛. ويساعد في تصويب الترشيح نحو الكفوء والنزيه والصادق المستقل المهني ثالثا؛. وهذه قمة الايجابية.
اما ما يخص ضمانات المرشح في الوفاء بوعوده بعد الفوز بالانتخابات , فانها قد تذهب ادراج الرياح مع ضغوط وسياسة الحزب او الكتلة التي رشحته اولا؛. والامتيازات التي يوفرها المقعد الانتخابي ثانيا؛ والتي تعزله ومع الاسف عن ناخبيه عبر السيارات الفارهة والحمايات غير المبررة مع نسبية الاستقرار الامني الذي نعيشه حاليا. ويبقى ضمير المرشح ، وولاءه الوطني ، ومصداقية التزامه وتواصله مع مرشحيه… هو الفيصل في تحديد العلاقة المستقبلية بين المرشح الفائز وناخبيه. والسؤال: متى نضع الآليات الناجحة لصناعة النائب المسؤول؟؟؟.
السلوك والسباق الانتخابي
حققت الانتخابات التشريعية الماضية عام ٢٠٢١ نجاحا كبيرا اعترفت به كل القوى المشاركة الخاسرة قبل الرابحة ، ونالت ثقة ودعم المجتمع الدولي والمنظمة الاممية ، وهذا ما نرجوه للانتخابات المقبلة مع بدأ انطلاق الحملات والسباق الانتخابي في العراق.
ولعل اكثر ما كان يميز الانتخابات الماضية هو ( مدونة السلوك الانتخابي ) التي وقعتها المفوضية العليا للانتخابات انذاك بحضور رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وممثلي مختلف القوى السياسية ، والتي تضمنت: القواعد التي تؤطر العملية الانتخابية والواجب الالتزام بها من قبل الأحزاب السياسية العراقية خلال العملية الانتخابية ، ومن أجل الحفاظ على سلامتها ونزاهتها وإجرائها بشكل سليم ، حيث أكدت المدونة على تجنب الصراعات وزيادة الدعم الجماهيري للممارسة الانتخابية ، وحماية المرشحين وتكافؤ الفرص؛ وهو الاهم. واحترام الدستور واللوائح القانونية وايجاد بيئة انتخابية آمنة ومستقرة ، ومنع الظواهر السلبية كتوظيف المال السياسي وترهيب الناخبين والتلاعب بالبطاقات الانتخابية ، مع الالتزام بقبول نتائج الانتخابات النهائية مهما كانت على ان تعلن النتائج الاولية باسرع وقت… وهو ما جرى بالضبط وانتج انتخابات ناجحة بكافة المقاييس رغم قلة نسب المشاركة الجماهيرية فيها.
واليوم ، نحن بحاجة ماسة الى الالتزام بهذه المدونة والسير على نهجها وتفعيل بنودها من المرشحين والقوى السياسية قبل المفوضية ، والاخيرة تتحمل مسؤولية المراقبة والتدقيق في كل صغيرة وكبيرة طيلة الحملات الانتخابية دون تعسف او ظلم لمرشح ، مع الالتزام باعلان النتائج الاولية بعد اغلاق صناديق الاقتراع بشفافية وخلال ٢٤ ساعة… وقد يكون هذا الالتزام فرصة كبيرة لإجراء انتخابات نزيهة لا يلوثها اي شائب او طعن في مصداقيتها والقانون الانتخابي ومدونة السلوك والدستور هو الحكم والفيصل في صحة كل اجراء.
جواد العطار









